أوراق نقدية جديدة والحرب على الفساد في كينيا - حكيم ألادي نجم الدين

الأربعاء، 5 يونيو 2019

أوراق نقدية جديدة والحرب على الفساد في كينيا

تحتل كينيا المرتبة 143 من أصل 180 على مؤشر الفساد في منظمة الشفافية الدولية؛ حيث ينتشر الكسب غير المشروع والمحاباة، إلى جانب النزاعات العرقية التي يستغلها القادة السياسيون وتعيق الإدارات المتعاقبة. كما أن الافتقار إلى المساءلة العامة والشفافية وغياب المنظمات والهيئات المراقبة القوية قد عزَّز من شهية المسؤولين الذين اتسموا بالفساد. وكانت النتيجة أن استمرَّ انعدام الثقة العامة في العديد من القطاعات العامة في البلاد.

وقد أعلنت إدارة الرئيس "أوهورو كينياتا" في عام 2018م عن إجراءات صارمة لمحاربة الفساد؛ حيث حاكمتْ منذ ذلك الحين عشرات المسؤولين الحاليين والسابقين بتهمة إساءة استخدام مناصبهم لجمع الثروة، والتآمر لسرقة الأموال العامة، وغيرها.

وقد فَقَدَ الرئيس "كينياتا" أصدقاء وحلفاء وأنصارًا كثيرين إثر هذه الإجراءات، وما يزال يؤكّد نيّة إدارته مواصلة الجهود للقضاء على الفساد؛ في المقابل يرى بعض المراقبين والنشطاء أن جهود مكافحة الفساد ولوائح الاتهام والمحاكمات قد تصبحُ أداة مسلحة لتحقيق أهداف حزبية في الانتخابات المقبلة عام 2022.

جدير بالذكر أنه في العام الماضي أعلنت الحكومة أنها ستهدم 4000 مبنى في نيروبي؛ لأنها بُنيتْ بشكل غير قانوني على أراضٍ واقعة على ضفة النهر. وأصدر "كينياتا" -في محاولة لوقف هدر الموارد العامة- توجيهًا بتجميد تنفيذ المشروعات الجديدة حتى يتم الانتهاء من جميع المشاريع الجارية.

"لقد حان الوقت أن نحارب الإفلات من العقاب. لقد حان الوقت لكي يدرك كل كينيّ بغضّ النظر عن قوتك أو مقدار المال الذي تملكه.. أن كل ذلك لن ينقذك"؛ هكذا قال الرئيس "كينياتا" وهو يردّ على شكاوى البعض، مشيرًا إلى أنه من الضروريّ محاربة الإفلات من العقاب لتحقيق حلم "كينيا الأفضل".

ومع ذلك؛ فإنه من غير المرجَّح أن تُبَشِّر هذه الإجراءات والجهود ببزوغ فجر جديد فيما يتعلق بالحرب على الفساد بكينيا؛ لأن القضاء على الفساد وإدخال الإصلاحات النظامية أكبر بكثير من هدم المباني أو اعتقال أصدقاء الأمس، وإصدار البيانات؛ خصوصًا وأنّ إدارة "كينياتا" نفسها متَّهمة بالفساد، وكثيرًا ما تُوصَف نفقات عدد من الوكالات والهيئات الحكومية ورواتب مسؤوليها بالإسراف وهدر الأموال العامة.

أوراق نقدية جديدة لمحاربة الفساد:


بالرغم من أنّ الكينيين لا يزالون يشكِّكون في جدوى مكافحة الفساد المُعلَنة؛ أصدرت الحكومة بداية شهر يونيو الجاري جيلاً جديدًا من الأوراق النقدية؛ لتكون طلقة مباشرة على الفساد المستشري في البلاد.

وبحسب إعلان الحكومة؛ سيتم وقف إصدار فئة 1000 شلن (10 دولارات) بحلول اليوم الأول من شهر أكتوبر القادم -في محاولة لمحاربة الفساد والتزوير وغسل الأموال-. وسيتعيّن على الذين يرغبون في تبادل المبالغ (من فئة العملات القديمة إلى الجديدة) بين مليون و5 ملايين شلن الذهابَ إلى بنوكهم للقيام بذلك.

أما الذين يريدون تبادل المبالغ ولكنهم لا يملكون أي حساب مصرفي؛ فسيتعيَّن عليهم التواصل مع البنك المركزي، والذي سيوجّههم بدوره إلى أحد البنوك المحلية بعد تقديم ما يكفي من الوثائق لإثبات هويتهم، والتأكّد من مِلْكيّتهم للمبالغ. يضاف إلى ما سبق أنه يتعين على من لديهم أكثر من 5 ملايين شلن نقدًا الاتصال بمسؤولي البنك لتدبير عملية تبادل العملات، ما يعني تلقائيًّا أنّه يجب على العملاء أن يوضِّحوا لمختلف البنوك التجارية أنواع أعمالهم وطبيعتها التي تطلبتْ منهم معاملات نقدية ضخمة.

"إن الهدف من هذا الإجراء هو التعامل بشكل حاسم مع المخاوف الناشئة حول التدفقات المالية غير المشروعة والمزيفة"؛ هكذا قال إشعار الجريدة الرسمية بتاريخ 31 مايو حول المساوئ الناتجة من فئة 1000 شلن القديمة.

وإذ أعلنت الحكومة موعدًا نهائيًّا لوقف فئة 1000 شلن، إلا أنه لا يوجد موعد نهائي لوقف الفئات القديمة الأخرى. وقال البنك المركزي: إن هناك أكثر من 217 مليون قطعة من فئة 1000 شلن متداولة حاليًا في كل البلاد. كما أن البنك أشار إلى أنه يعمل مع مكاتب الصرف النقدي ومقدمي خدمات الدفع ومقدمي تحويل الأموال ووكالات التحقيق ومقدمي الخدمات المالية الآخرين لضمان اتباع جميع الإجراءات القانونية الواجبة.

فاعلية الأوراق النقدية الجديدة:


وقد نالت توجيهات البنك المركزي الدعم من مختلف المجموعات والاتحادات والمحاسبون وجمعيات القطاع الخاص. وكانت حُجّتهم أن إلغاء استعمال الأوراق النقدية القديمة وسحبها من التداول بمثابة خطوة جيدة للصحة المالية، وستجلب المزيد من السيولة في اقتصاد البلاد، مع تقليص الاقتصاد السِّرّي المخفيّ عن النظام المالي.

غير أن بعض المحللين يشككون في فاعلية هذه الخطوة؛ لأنها تمنح "عفوًا هادئًا" للتجار غير الشرعيين الذين قد يستخدمون البنوك والوكلاء الآخرين للتغلب على النظام؛ كالذي حدث في الهند عندما أعلنت الحكومة إلغاء تداول فئتَي 500 روبية (7.2 دولار) و1000 روبية (14.4 دولار) في نوفمبر 2016.

وإذ كان الهدف الأساسي من خطوة الهند هو القضاء على الأموال غير المشروعة وتعزيز الدفع والمعاملات الرقمية، فقد أظهرت الأبحاث أن المكتنزين في الهند وجدوا طرقًا أخرى لتغيير الأوراق النقدية القديمة لأخرى جديدة.

وقد أظهر العديد من الكينيين غضبهم واستياءهم من العملة الجديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي عريضتَين أمام محكمة البلاد؛ وذلك لأن الأوراق النقدية الجديدة رغم عرضها للحياة البرية في كينيا، فقد حملت فئة 1000 شلن منها صورة "مركز كينياتا الدولي للمؤتمرات" (KICC) مع تمثال لـ "جومو كينياتا" – الشخصية التي لعبت دورًا رئيسيًّا في قيادة كينيا نحو الاستقلال وأول رئيس للبلاد، ووالد الرئيس الحالي "أوهورو كينياتا". بينما ينص دستور كينيا لعام 2010م على أنه لا يمكن للنقود - سواء العملات المعدنية أو الأوراق النقدية - أن تحمل صورة لفرد أو شخص.