الفساد السياسي: "جاكوب زوما" وسيطرة عائلة "غوبتا" على جنوب أفريقيا - حكيم ألادي نجم الدين

الأربعاء، 24 يوليو 2019

الفساد السياسي: "جاكوب زوما" وسيطرة عائلة "غوبتا" على جنوب أفريقيا

طغتْ مرة أخرى أخبار "جاكوب زوما" - الرئيس الجنوب إفريقي السابق - على وسائل الإعلام بسبب تصريحاته المثيرة للجدل أثناء ظهوره للمرة الأولى أمام لجنة تحقيق قضائية حول التُّهَم ومزاعم الفساد السياسي التي وجَّهت إليه إبَّان حكمه للبلاد من مايو عام 2009 حتى فبراير 2018م.

وقد اشتهر هذا التحقيق باسم "السيطرة على الدولة" أو "State Capture" – وهو مصطلح أكاديمي يصف نوعا من أنواع الفساد في أيّ دولة, حيث تتعاون فيها الشركات والسيايون بهدف التأثير في عملية صنع القرار, وإضعاف قوانين الدولة وتحييد الوكالات التي تنفذ هذه القوانين لتعزيز مصالحهم الخاصة.

فـالسيطرة على دولة جنوب أفريقيا أدت عام 2018م إلى استقالة "جاكوب زوما" البالغ 77 عامًا من منصبه كرئيس لجنوب إفريقيا؛ بسبب الفضائح التي ابتُليت بها إدارته. وخلفه في المنصب الرئاسي نائبُه آنذاك؛ "سيريل رامافوسا" الذي وعد بمعالجة الفساد في البلاد، واصفًا السنوات التسع التي حكم فيها "زوما" بـ"الضياع".

وتتركز الاتهامات ضد "جاكوب زوما" على علاقته بعائلة "غوبتا" التي طالما أثارت أنشطتها التجارية جدلاً واسعًا في جميع البلاد، واتُّهِمت بالتأثير على تعيينات الحكومة، وشراء الفوز بمناقصات الدولة في عهد "جاكوب زوما". كما وُجِّهَت إليه تُهمة تلقّي رشاوى من شركة "بوساسا" اللوجستية المملوكة لعائلة "واتسون".

ونفى "زوما" -الذي هتف أنصاره عند دخوله مبنى التحقيق يوم الاثنين الماضي (15 يوليو) - كل الفضائح التي تلاحقه. وقال أمام اللجنة: إنه كان ضحية لـ "مؤامرة" وحملة تشهير وتشويه "تزعم أنه مَلك الفاسدين" في البلاد، وإن الهدف من كل ذلك إبعاده عن الساحة السياسية.

"لقد أُطلق عليَّ كل الأسماء ولم أردّ أبدًا لهذه القضايا"؛ هكذا قال "زوما" للجنة التحقيق التي يترأسها القاضي "راي زوندو".

 

عائلة "غوبتا" والسيطرة على دولة جنوب إفريقيا

هاجرت عائلة "غوبتا" من الهند إلى جنوب إفريقيا بعد سقوط نظام الفصل العنصري؛ لتأسيس شركة "صحاري للكمبيوتر"، وأصبحت لها إمبراطورية تجارية تشمل شركات معدات الكمبيوتر، ووسائل الإعلام والتعدين، ما جعلها من أغنى العائلات بجنوب إفريقيا، وأبرز أفرادها: "أجاي"، "أتول" وراجيش توني غوبتا".

وبالنظر إلى ما كشفه التحقيق الحالي، تتعلق جُلّ التهم بعلاقة "زوما" مع "غوبتا"؛ حيث أصبحت العائلتان مرتبطتين ارتباطًا وثيقًا لدرجة أنه صِيغَ لهما مصطلح موحد -"عائلة زُوبْتَا أو Zuptas"؛ لقوة العلاقة بينهما، ولما تملكه "غوبتا" من مجموعة الشركات التي تمتَّعتْ بعقود مربحة مع الإدارات الحكومية والشركات التابعة للدولة في عهد "زوما" بجنوب إفريقيا. إضافة إلى أن شركات عائلة "غوبتا" وظَّفت العديد من أفراد أسرة "زوما" -بما فيهم نجله "دودوزان"- في مناصب عليا.

وإذ أفادت شهادة لجنة التحقيق أن عائلة "غوبتا" بذلت جهودًا كبيرة للتأثير على دولة جنوب إفريقيا؛ فقد اعترف المسؤولون الحكوميون من وكالات حكومية مختلفة بأنهم تلقوا تعليمات مباشرة من "غوبتا" لاتخاذ القرارات التي من شأنها تعزيز المصالح التجارية للعائلة. وفي المقابل تكافئ العائلة امتثال المسؤولين بأوامرهم بمبالغ مالية وترقية لمناصب، بينما يُفصَل عن العمل مَن عارض أوامرهم ورفَض تطبيق قراراتهم.

 

"زوما" ونفي الاتهامات

لقد واجه الرئيس السابق "جاكوب زوما" وقت استقالته من رئاسة البلاد عددًا من التُّهَم المتعلِّقة بالفساد والاحتيال، وغسيل الأموال، والابتزاز فيما يتعلق بصفقة أسلحة. وبالتالي لم يكن شخصًا جديدًا على التحقيق والمحاكمة.

وعلى الرغم من الاهتمام الوطني الذي جذَبه الفساد السياسي في التحقيق الحالي، إلا أنّ "زوما" الذي ورد اسمه كشخصية رئيسية في عددٍ من الفضائح التي شغلت الرأي العام على مدار عدة سنوات، قد نفى يوم الاثنين الماضي كل ما وُجِّه له.

وأوضح "زوما" أنه التقى بالعائلة للمرة الأولى عندما كان نائبًا للرئيس السابق "ثابو امبيكي"، عن طريق وزير الرئاسة السابق "إيسوب باهاد". وأصرَّ على أنّ علاقته مع "غوبتا" ليست سوى الصداقة؛ لأنها عائلة "ودودة للغاية"، وأنه في ذلك كغيره من شخصيات داخل حزب "المؤتمر الوطني الإفريقي" الحاكم الذين تربطهم علاقات الصداقة مع العائلة.

"لم أقمْ بشيء غير قانونيّ. لقد ظلوا مجرد أصدقاء؛ لأنهم كانوا أصدقاء للجميع.. لقد وجدتُهم عائلة ودودة للغاية. عرفوا الكثير من الرفاق واكتشفتُ فيما بعد أنهم في الحقيقة كانوا مقربين من نيلسون مانديلا. وعندما رَحِل مانديلا، كانوا أصدقاء مع ثابو مبيكي"؛ هكذا قال "زوما" للجنة التحقيق؛ إذ أبدى استغرابه مما يثيره الناس حول علاقته مع عائلة "غوبتا"، بينما يتغاضون عن علاقة الرؤساء السابقين بالعائلة نفسها.

وتصدرت مرة أخرى قضية الطائرة التي حملتْ أفراد وأصدقاء "غوبتا" عام 2015م من الهند إلى جنوب إفريقيا، وهبطتْ في قاعدة "ووتركلوف" الجوية؛ ما يعني دخولهم لجنوب إفريقيا دون التصريح أو المرور عبر القنوات والبوابات الرسمية للتحقيق عن هوياتهم. وقد اعترف "بروس كولوان" -رئيس بروتوكول الدولة السابق - باستخدام اسم "زوما" للضغط على مسؤولي وزارة الدفاع للسماح للطابرة بالهبوط في تلك القاعدة العسكرية.

وقال الرئيس الجنوب إفريقي السابق "جاكوب زوما": إنه تم تأسيس صحيفة "New Age" في عام 2015م وقناة "ANN7" في عام 2013م -المملوكتين لعائلة "غوبتا"- لتقديم "صوت بديل" في صناعة الإعلام بالبلاد. وأكّد أنه من اقترح إنشاء المؤسستين الإعلاميتين "لأننا رفاق ونحن بحاجة إلى صوت بديل. لقد كانت هناك محاولات عديدة سابقة بُذلت من قبل التقدميين (لإنشاء المؤسسات الإعلامية)، ولكنها لم تنجح".

وفي قضية أخرى مرتبطة بقناة ANN7؛ اعترف "راجيش سوندارام" - المحرر السابق في القناة بأن "غوبتا" استغلّوا صداقتهم مع "زوما" في شراء مواد الأرشيف التاريخية -التي قدرت قيمتها بملايين الراند- من هيئة الإذاعة الجنوب إفريقية (SABC) بأقل من قيمة المواد. كما أن "زوما" يشارك في الإدارة اليومية للقناة.

ولعل ما جذب الانتباه في تصريحات "زوما" أنّ الوزير "فكيل مابلولا" قد أخبره ذات مرة أن رجل الأعمال "يوهان روبرت" هدّد بهدم الاقتصاد الجنوب إفريقي إذا تم طرد الوزير "برافين غوردهان" من الوزارة التي يترأسها في حكومة "زوما". الأمر الذي يعطي فكرة عن خلفيات إقالة "زوما" لـ "غوردهان" في عام 2017م، وطبيعة تفكير رجال الأعمال المسيطرين على اقتصاد الدولة.

واكتُشِف في عام 2017م أن شركة العلاقات العامة البريطانية "Bell Pottinger" بالنيابة عن شركةOakbay  المملوكة لعائلة "غوبيتا" قد تعمدت التلاعب وإثارة التوترات العرقية والكراهية العنصرية في جنوب إفريقيا، وروَّجت لفكرة كون البلاد "عاصمة احتكار بيضاء" باستخدام عدد كبير من الحسابات المزيفة على تويتر وغيره من المواقع عبر الإنترنت، كجزء من حملة الدعاية لتقديم Oakbay والشركات التابعة لها كضحايا في قضايا الفساد الموجهة إليها.

وفي العام نفسه فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي تحقيقًا مع "آشيش" و"أمول"، وهما أخوان من عائلة "غوبتا" ومواطنان أمريكيان؛ وذلك بسبب المدفوعات التي قبضاها من شركة مرتبطة بالعائلة في الإمارات العربية المتحدة. وبعد تنحّي "زوما" كرئيس لجنوب إفريقيا في فبراير 2018م، أعلنت سلطات جنوب إفريقيا أنّ "أجاي غوبتا" هاربٌ من العدالة؛ لعدم تسليم نفسه لسلطات البلاد.

 

"مؤامرة" ضده "زوما"؟

واستغل "زوما" منصة التحقيق معه لانتقاد خصومه ومنتقديه؛ إذ عبّر عن غضبه ووصف كل ما وُجِّهَ إليه بـ "مؤامرة" استمرت لعقود. بل وأشار ضمنيًّا إلى أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة كانتا ولا تزالان جزءًا من مؤامرة مفصلة لتشويه سمعته، حتى أثناء محاولته إدخال تغيير سياسي وإصلاح اقتصادي بلاده.

وادعى "زوما" أن الشاهِدِين ضدّه والمعترفين بضلوعه في الفضائح ضمن المتآمرين –بمن فيهم وزير الحكومة السابق "نغوا راماتلودي" الذي قدَّم أدلة دامغة ضد "زوما". كما أفاد بأن عملاء آخرين مدربين في الخارج قد حاولوا تسميمه– ولم يذكر أسماءهم.

غير أن "راماتلودي" الذي انتقده "زوما" قد نفى -في مقابلة مع شبكة News24 الجنوب إفريقية- أن يكون جاسوسًا. واقترح أن يخضع هو و"زوما" لاختبار الكشف عن الكذب لمعرفة المحقّ من الكاذب.

 

ما الذي يعنيه التحقيق لـ "زوما" ؟

من الواضح في التحقيق الجاري أنّ لرئيس جنوب إفريقيا السابق "جاكوب زوما" أنصارًا كثيرين من المواطنين رغم تقلُّص عددهم قبيل سقوطه عام 2018م، وأنّ شعبية لم تختفِ كما يصورها البعض.

ونقطة أخرى -أشارت إليها "بومزا فحلاني" الصحفية الجنوب إفريقية- ويمكن فهمها خلال شهادة "زوما" حتى الآن أمام لجنة التحقيق، مفادها أنه: إذا كانت كل هذه التحقيقات ستؤدي إلى سقوط "زوما" مرة أخرى، فلن يسقط "زوما" بمفرده، بل سيأخذ معه شخصيات أخرى؛ لأنه أثناء حديثه أمام لجنة التحقيق قد رسم صورة لمؤامرة مزعومة ضده يعود تاريخها إلى أكثر من عقدين.

"لقد أثاروا غضبي"؛ هكذا قال "جاكوب زوما" الذي هدّد بتسمية جواسيس مزعومين خذلوا النضال من أجل حرية السود في جنوب إفريقيا، والذين ما زالوا يتآمرون ضده. وقد يكون هذا بمثابة إنذار لأناسٍ معيّنين خَبِرهم "زوما" وعرف أسرارهم عندما كان رئيس الاستخبارات بالمؤتمر الوطني الإفريقي (ANC)؛ الحركة التي كانت في السلطة منذ نهاية حكم الفصل العنصري عام 1994م.

ـــــــــــــ

ملاحظة: نشرتُ هذا المقال أيضا في دورية قراءات إفريقية.